في تطوُّر طبي كبير منحت إدارة الغذاء والدواء الأميركية، أخيراً، الموافقة على اعتماد عقارين علاجيين جينيين هما (Casgevy)، و(Lyfgenia)، يستهدفان فقر الدم المنجلي، ما يُظهر تقدماً حاسماً في ميدان العلاج بالتعديل الجيني (Gene Editing Therapy).
وامتدَّ مسار بحوث العلاج الجيني أكثر من خمسة عقود، تنقَّل عبرها في مستويات عدَّة من التطوير التكنولوجي والعلمي، ويهدف هذا النوع من العلاج أساساً إلى تصحيح الطفرات في الجينات المسبِّبة للأمراض الوراثية النادرة، ويتخذ نهجًا متعدد الجوانب، مثل إدخال جين جديد ووظيفي بالكامل إلى جسم المريض لتعويض جين مُسبّب للمرض، أو تعطيله.
وتُظهِر البيانات الحالية نتائج واعدة للعقارَين المعتمدَين، إذ تمكَّنا من تخفيف الألم لدى بعض المرضى، من دون حاجة إلى زرع الدم، أو نقل النخاع العظمي. وعلى الرغم من أن هذَين العقارَين أثمرا نتائج مشجعة، فإن مخاطرهما وتعقيداتهما تتطلب نظرة دقيقة، وتحليلاً عميقاً، لضمان كفاءتهما في المدى الطويل، وخاصة تلك المخاوف المتعلقة بتحولات جينية لا يستهدفها العقاران، وتؤدي إلى الإصابة بالسرطان في بعض الأحيان، وكذا عدم اليقين بشأن قوة تأثيرهما العلاجي.
وإضافةً إلى ذلك كشفت الخطوات الأولى في سباق تطوير مثل هذه العقاقير، وتنافس الشركات الدوائية فيها، عن الطبيعة المعقَّدة لهذا المجال، بما في ذلك السرعة في الابتكار العلمي، والمشكلات الأخلاقية، والوعد بتقديم علاجات طبية ثورية، ومع ذلك، فإن البنية التحتية الحالية للرعاية الصحية، وقدرتها على إدارة هذه العلاجات المتقدمة، تبرزان مع التوجيهات غير المؤكدة بشأن سلامة هذه العقاقير في المدى الطويل، ما يؤكد التحديات الكبيرة التي تواجهها هذه الابتكارات في مراحلها الأولى.
ومن جانب اقتصادي تتَّسم هذه العلاجات الرائدة بتكلفة كبيرة، تُقدَّر بما يصل إلى مليوني دولار للمريض الواحد، ما يمثّل عقبة كبيرة أمام إمكانية الحصول عليها. ويعزز هذا العائق المالي الاعتبارات الأخلاقية، من حيث ضمان الوصول العادل إلى فوائد العلاج الجيني من قِبل جميع أفراد المجتمع، وتأخذ هذه القضية أهمية خاصة، ولا سيَّما في الدول ذات الدخل المنخفض، التي تكافح انتشار أمراض وراثية مثل فقر الدم المنجلي، ما يُضيف إلى أعبائها المثقلة أصلاً مزيداً من التعقيد.
وفي ختام هذا الاستعراض الواعد للعلاج بالتعديل الجيني، والمعقَّد في الوقت نفسه، نجد أن الرحلة العلمية لا تزال متواصلة ومملوءة بالتحديات والتعقيدات، ويُتوقع في هذا السياق حصول مزيد من التقدم البحثي، الذي سيؤكد فاعليَّة هذا النوع من العلاج، ليس بصفته تحولاً ثوريّاً طبيّاً ومعجزة علمية فقط، بل شعلة أمل لجميع مَن يعانون أمراضاً وراثية في شتى أنحاء العالم.
*باحثة